عندما اتخذت قراراً بأن أُبرق بهذه البرقية لرجال الجيش العربي السوري، تمنيت على الله أن تصل هذه البرقية لكل ضابط وصف ضابط وجندي ومجند من رجال الله، إينما كان موقعه ، وإذ تتملكني مشاعر التصاغر والتضاؤل وأنا أسفح هذا الحبر على وجه هذه الأوراق البيضاء ،مقارنة بمن يسفحون دماءهم وأرواحهم على وجه الوطن الأخضر ، فإنه لدي يقينٌ راسخ بأن الأقدار اصطفتكم لهذه اللحظة الفارقة في تاريخ الجنس البشري وليس أمتنا فقط، لأنها علمت غيباً أنكم الأقدر والأجدر لحمل الرسالة التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها ، أنتم يارجال سورية يارجال الجيش العربي السوري سر صمود سورية وقوتها
منذ أن كانت المؤامرة على سوريا مجرد جنين يتغذى على سموم التباغض والكراهية، كنتم كدرعٍ للوطن في عين المؤامرة، وأن كسر هذا الدرع وتفكيك جيشكم العروبي هو أقصر الطرق لاستباحة بيضة الأمة وتفتيتها وإذلالها، لذا كانت الهجمة منذ اللحظة الأولى على وجه الجيش العربي السوري، لمحاولة تغيير ملامحه أو تشويهها،ونقله من كونه حماة للديار إلى غزاةٍ لها، ومذهبته وتتطيفه، ثم شيطنته وتصوير رجاله على أنهم الوحوش الضارية، التي تقتل لمجرد القتل، وتنهب وتسرق وتدمر، ومحاولات محمومة لحشره في خانة الطائفة، أو خانة شخص، فمنذ اليوم الأول لم نسمع من أعداء سورية التسمية الحقيقية والرسمية أو حتى الشعبية لكم، الجيش العربي السوري، فمرة قوات النظام ومرة قوات الأسد وأكثرهم خجلاً كان يقول الجيش النظامي،ولكنكم أغظتم كل عدو مارق، فثبتم وأثبتم أنكم حماة الديار وأنكم الجيش العربي السوري.
ليس مستغرباً ثباتكم هذا أمام الترغيب والترهيب، فأما الترغيب بالمال والرفاه والمناصب، قد فشل بالثلث، لأن من حاول إغواءكم بالمال أخطأ الحسابات حينما ظنَّ أن رواتبكم هي ثمنٌ لخدمتكم وطنكم وأمتكم،أو أنها ثمناً لكم ، وبنى معادلته الإغرائية بناءاً على ذلك،فاعتقد أنكم ستتحولون لجانب من يدفع ثمناَ أكبر،ولكن خاب فأله، فأثبتم أن معاشكم ليس ثمناً لخدمة وطنكم وحماية شعبكم، بل هو مجرد وسيلة تريحكم من أعباء الحياة للتفرغ لرسالتكم المقدسة في حمايتكم لأوطناكم، كما هي أعمال المؤمنين ليست ثمناً للجنة، إنما يتعبد المؤمن ربه من باب التسديد والمقاربة لدخول الجنة وليس من باب دفع ثمنها،فالجنة لا يساويها ثمن، كما هي الأوطان لا يساويها ثمن.
وهذا بعكس أعدائكم ومن يقاتلونكم،فكلٌ له ثمنه، فمنهم من جاءكم مقاتلاً طمعاً في المال أو سعياً لمنصبٍ أو هرباً من ماضٍ بئيس حقير ملوث بالجرائم والجنايات، ومنهم من جاءكم مقاتلاً تحت قاعدة اقتلوا من في الأرض تنكحوا من في السماء، فشمر عن فخذيه مهرولاً نحو تهيآت الحور، رغم معرفتي بأن القتلة السفلة هم في جهنم خالدين، فلا حورٌ لهم ولا هم ينكحون، فلا أعرف كيف استطاع شياطين الإنس المُتنكرين بأزياء دينية إقناعهم بالعكس،ورغم كل محاولات الإعلام الكاذب المستكذب لتزينهم برداء المجاهدين مرة وإزار الثوار مرة ،وبأحمر شفاه التكبير مرة و”مسكارا” دموع الإيمان مرة، إلا أن قُبحهم أعجز كل العطارين على مدار سنتين من الدهر.
فتلك الصور المريعة للذبح والنحر – وهم لا يسربونها عبثاً-فقد إنقلب فيها السحر على الساحر، فهم يسربونها من باب بث الرعب والخوف في قلوبكم، فكانت لكم خير دافع لتجتثوهم من جذورهم ،بعدما لطخوا ياسمين دمشق بالسواد ولوَّثوا عبيره برائحة الموت والبارود، فضربتوهم فوق الأعناق وضربتم منهم كل بنان،وستقتلعوهم كثمرةٍ خبيثة على شجرةٍ خبيثة ما لها من قرار، وطالما كان فيهم عرق ينبض على زناد الغدر والتبعية فاقتلوهم وشردوا بهم كل مشرد، فهذا السمو في تأدية الواجب، وأما إن أصبحوا جُثثاً هامدة،فتمالكوا غضبكم من أجل سوريا ومن أجل أمتكم،فإن دفنهم بهدوء هو تكريم لكم فوق تكريم، فرجال الله لا يقتلون حباً في القتل كمن تقاتلونهم من أتباع الشيطان، فلا يحمل الحقد من تعلو به الرُتبُ ولا ينال العُلى من طبعه الغضبُ .
وأخيراً فلا ريب أنكم أصبحتم قدوة للنشئ ورمزاً لكل عزةٍ ولكل عزيز، وكابوساً لكل ذلٍ وهاجساً لكل ذليل ، فعندما سيُكلم الناس أبناءهم عنكم كقديسين، فلا تجعلوا الآباء يحاولون إخفاء ولو شذراتٍ من أي جانب، فأنا أريد أن أقول لابني كن كهؤلاء الرجال، يدٌ من حديد وعقلٌ من عدلٍ وقلبٌ من رحمة.